سورة الأنفال - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


قوله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: تستنصرون.
الثاني: تستجيرون.
والفرق بين المستنصر والمستجير أن المستنصر: طالب الظفر، والمستجير: طالب الخلاص.
والفرق بين المستغيث والمستعين أن المستغيث: المسلوب القدرة، والمستعين الضعيف القدرة.
{فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} أي فأعانكم.
والفرق بين الاستجابة والإجابة أن الإجابة ما لم يتقدمها امتناع. {أَنَِّي مُمِدُّكُم بَأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: مع كل ملك ملك، وهو قول ابن عباس فتكون الألف ألفين. قال الشاعر:
إذا الجوزاء أردفت الثريا *** ظننت بآل فاطمة الظنونا
الثاني: معناه متتابعين، قاله السدي، وقتادة.
الثالث: معنى مردفين أي ممدّين، والإرداف إمداد المسلمين بهم، قاله مجاهد.
{وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى} فيه وجهان:
أحدهما: أن البشرى هي في مددهم بألف من الملائكة بشروهم بالنصر فكانت هي البشرى التي ذكرها الله تعالى.
والثاني: البشرى النصرة التي عملها الله لهم.
{وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: بالبشرى.
والثاني: بالملائكة.
واختلفوا في قتال الملائكة معهم على قولين:
أحدهما: لم يقاتلوا وإنما نزلوا بالبشرى لتطمئن به قلوبهم، وإلا فملك واحد يهلك جميع المشركين كما أهللك جبريل قوم لوط.
الثاني: أن الملائكة قاتلت مع النبي صلى الله عليه وسلم كما روى ابن مسعود أنه سأله أبو جهل: من أين كان يأتينا الضرب ولا نرى الشخص؟ قال: (مِن قِبَلِ الْمَلاَئِكَةِ) فقال: هم غلبونا لا أنتم.
وقوله: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ} لئلا يتوهم أن النصر من قبل الملائكة لا من قبل الله تعالى.


قوله تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسُ أَمَنَةً مِّنْهُ} وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وكثيراً من أصحابه غشيهم النعاس ببدر.
قال سهل بن عبد الله: النعاس يحل في الرأس مع حياة القلب، والنوم يحل في القلب بعد نزول من الرأس، فهوَّمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ناموا فبشر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصر فأخبر به أبا بكر.
وفي امتنان الله تعالى عليهم بالنوم في هذه الليلة وجهان:
أحدهما: قوّاهم بالاستراحة على القتال من الغد.
الثاني: أن أمَّنَهم بزوال الرعب من قلوبهم، كما قال: الأمن منيم، والخوف مسهر.
وقوله تعالى: {أََمَنَةً مِّنْهُ} يعني به الدعة وسكون النفس من الخوف وفيه وجهان:
أحدهما: أمنة من العدو.
الثاني: أمنة من الله سبحانه وتعالى.
{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ} لأن الله تعالى أنزل عليهم ماء السماء معونة لهم بثلاثة أمور:
أحدها: الشرب وإن كانوا على ماء.
الثاني: وهو أخص أحواله بهم في ذلك المكان وهو أن الرمل تلبد بالماء حتى أمكن المسلمين القتال عليه.
والثالث: ما وصفه الله تعالى به من حال التطهير.
وفي تطهيرهم به وجهان:
أحدهما: من وساوس الشيطان التي ألقى بها في قلوبهم الرعب، قاله زيد بن أسلم.
والثاني: من الأحداث والأنجاس التي نالتهم، قاله الجمهور.
قال ابن عطاء: أنزل عليهم ماءً طهر به ظواهر أبدانهم، وأنزل عليهم رحمة نقّى بها سرائر قلوبهم.
وإنما خصه الله تعالى بهذه الصفة لأمرين.
أحدهما: أنها أخص صفاته.
والثاني: أنها ألزم صفاته.
ثم قال: {وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشّيَطانِ} فيه قولان:
أحدهما: وسوسته أن المشركين قد غلبوهم على الماء، قاله ابن عباس.
والثاني: كيده وهو قوله: ليس لكم بهؤلاء القوم طاقة، قاله ابن زيد.
{وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: ثقة بالنصر.
والثاني: باستيلائهم على الماء.
{وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} فيه قولان:
أحدهما: بالصبر الذي أفرغه الله تعالى حتى يثبتوا لعدوهم، قاله أبو عبيدة.
والثاني: تلبيد الرمل بالمطر الذي لا يثبت عليه قدم، وهو قول ابن عباس، ومجاهد، والضحاك.
قوله عز وجل: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ} معناه معينكم ويحتمل أن يكون معناه إني معكم في نصرة الرسول، فتكون الملائكة لتثبيت المؤمنين، والله تعالى متولي النصر بما ألقاه من الرعب في قلوب المشركين.
{فَثَبِّتُوا الَّذِينَ ءَامَنُواْ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: فثبوتهم بحضوركم معهم في الحرب.
والثاني: بقتالكم معهم يوم بدر، قاله الحسن.
والثالث: بإخبارهم أنه لا بأس عليهم من عدوهم.
{سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} يعني الخوف، ويحتمل أحد وجهين:
إما أن يكون إلقاء الرعب بتخاذلهم، وإما أن يكون بتكثير المسلمين في أعينهم.
وفي ذلك وجهان:
أحدهما: أنه قال ذلك للملائكة معونة لهم.
والثاني: أنه قال ذلك له ليثبتوا به الذين آمنوا. {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} فيه خمسة أقاويل:
أحدها: فاضربوا الأعناق، وفوق صلة زائدة في الكلام، قاله عطية والضحاك.
وقد روى المسعودي عن القاسم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لأُُعَذِّبَ بَعَذَابِ اللَّهِ وَإِنَّمَا بُعِثْتُ بِضَرْبِ الأَعْنَاقِ وَشَدِّ الْوَثَاقِ».
والثاني: معناه واضربوا الرؤوس فوق الأعناق، قاله عكرمة.
والثالث: فاضربوا على الأعناق.
والرابع: فاضربوا على الأعناق.
والخامس: فاضربوا فوق جلدة الأعناق.
{وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} يعني المفاصل من أطراف الأيدي والأرجل والبنان: أطراف الأصابع من اليدين والرجلين.


قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً} والزحف: الدنو قليلاً قليلاً.
{فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} يعني بالهزيمة منهم والانصراف عنهم. وفيه قولان:
أحدهما: أن هذا على العموم في تحريم الهزيمة بعد لقاء العدو.
والثاني: مخصوص وهو أن الله تعالى أوجب في أول الإِسلام على كل رجل من المسلمين أن يقف بإزاء عشرة من المشركين لا يحل له بعد اللقاء أن ينهزم عنهم وذلك بقوله: {إِن يَكُن مِّنْكُمْ عِشْرُونَ صَابرُونَ يَغْلِبُواْ مِائَتَينِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةُ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِنَ الَّذينَ كَفرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} [الأنفال: 65] وفيه وجهان:
أحدهما: لا يعلمون ما فرضه الله تعالى عليه من الإسلام.
الثاني: لا يعلمون ما فرضه الله تعالى عليهم من القتال.
ثم نسخ ذلك عنهم بعد كثرتهم واشتداد شوكتهم فأوجب الله تعالى على كل رجل لاقى المشركين محارباً أن يقف بإزاء رجلين بعد أن كان عليه أن يقف بإزاء عشرة تخفيفاً ورخصة وذلك قوله تعالى: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وعَلِمَ أَنَّ فِيكُم ضَعْفاً}.
قرئ بضم الضاد وفتحها، وفي اختلاف القراءتين وجهان:
أحدهما: أنهما لغتان ومعناهما واحد، قاله الفراء.
والثاني: معناهما مختلف.
وفي اختلافهما وجهان:
أحدهما: أنها بالفتح: الضعف في الأموال، وبالضم: الضعف في الأحوال.
الثاني: أنها بالفتح: الضعف في النيات، وبالضم: الضعف في الأبدان. وقيل بعكس الوجهين في الوجهين.
ثم قال: {فَإِن يَكُن مِّنكم مَّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مَائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ ألْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَينِ بِإِذنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} فيه تأويلان:
أحدهما: مع الصابرين على القتال في معونتهم على أعدائهم.
الثاني: مع الصابرين على الطاعة في قبول عملهم وإجزال ثوابهم، فصار حتماً على من لاقى عدوه من المشركين زحفاً أن لا ينهزم مع القوة على المصابرة حتى يقضي الله من أمره ما شاء فأما الهزيمة مع العجز عن المصابرة فإن قاتله أكثر من مثليه جاز أن يُولي عنهم منهزماً، وإن قاتله مثلاه فمن دون حرم عليه أن يوليّ عنهم منهزماً على صفتين: إما أن يتحرف لقتال وهو أن يهرب ليطلب، ويفر ليكر فإن الحرب كرٌ وفرٌ، وهرب وطلب، وإما أن يتحيز إلى فئة أخرى ليقاتل معها، قربت الفئة أو بعدت، وذلك ظاهر في قوله تعالى:
{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَومَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ} أي صار بالمكان الذي يحق عليه غضب الله، مأخوذ من المبوأ وهو المكان.
ومذهب الشافعي وأصحابه وموافقيه أن هذا على العموم، محكوم به في كل مسلم لاقى عدواً، وبه قال عبد الله بن عباس.
وحكي عن الحسن، وقتادة، والضحاك: أن ذلك خاص في أهل بدر، وبه قال أبو حنيفة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8